السبت، 9 يونيو 2018

علم العروض والقافية - الدرس الثاني -


إعداد / الشاعر محمد بركات

-- وأنا أحضر اليوم للدرس الثاني من دروس علم العروض والقافية وقعت على كلام قيم للعلامة ابن خلدون في «المقدمة» أحببت أن أنقله لكم بحروفه، يقول ابن خلدون:
الشعر هو: الكلام البليغ، المبني على الاستعارة والأوصاف، المفصل بأجزاء متفقة في الوزن والروي، مستقل كل جزء منها في غرضه ومقصده عما قبله وبعده، الجاري على أساليب العرب المخصوصة به.



فقولنا: (الكلام البليغ) جنس، وقولنا: (المبني على الاستعارة والأوصاف) فصل له عما يخلو من هذه فإنه في الغالب ليس بشعر، وقولنا: (المفصل بأجزاء متفقة الوزن والروي) فصل له عن الكلام المنثور الذي ليس بشعر عند الكل، وقولنا: (مستقل كل جزء منها في غرضه ومقصده عما قبله وبعده) بيان للحقيقة؛ لأن الشعر لا تكون أبياته إلا كذلك ولم يفصل به شيء. وقولنا: (الجاري على الأساليب المخصوصة به) فصل له عما لم يجر منه على أساليب الشعر المعروفة، فإنه حينئذٍ لا يكون شعراً، إنما هو كلام منظوم؛ لأن الشعر له أساليب تخصه لا تكون للمنثور، وكذا أساليب المنثور لا تكون للشعر، فما كان من الكلام منظوماً وليس على تلك الأساليب فلا يسمى شعراً.

وقولنا في الحد: (الجاري على أساليب العرب) فصل له عن شعر غير العرب من الأمم، عند من يرى أن الشعر يوجد للعرب ولغيرهم. ومن يرى أنه لا يوجد لغيرهم فلا يحتاج إلى ذلك، ويقول مكانه: الجاري على الأساليب المخصوصة.
إذ قد فرغنا من الكلام على حقيقة الشعر، فلنرجع إلى الكلام في كيفية عمله فنقول: اعلم أن لعمل الشعر وإحكام صناعته شروطاً، أولها: الحفظ من جنسه؛ أي: من جنس شعر العرب، حتى تنشأ في النفس ملكة ينسج على منوالها، ويتخير المحفوظ من الحر النقي الكثير الأساليب، وهذا المحفوظ المختار أقل ما يكفي فيه شعر شاعر من الفحول الإسلاميين، مثل ابن أبي ربيعة وكُثَيِّر وذي الرمة وجرير وأبي نواس وحبيب (أبي تمام) والبحتري والرضي وأبي فراس، وأكثره شعر كتاب الأغاني، لأنه جمع شعر أهل الطبقة لإسلامية كله، والمختار من شعر الجاهلية.
ومن كان خالياً من المحفوظ فنظمه قاصر رديء، ولا يعطيه الرونق والحلاوة إلا كثرة المحفوظ، فمن قل حفظة أو عدم لم يكن له شعر، وإنما هو نظم ساقط، واجتناب الشعر أولى بمن لم يكن له محفوظ. ثم بعد الامتلاء من الحفظ وشحذ القريحة للنسج على المنوال يقبل على النظم، وبالإكثار منه تستحكم ملكته وترسخ. ا.ه كلام ابن خلدون.
تعريف بعض المصطلحات
الكلام الجيد نوعان: نثر وشعر
تعريف الشعر: هو الكلام المنمق الموزون قصدًا على الأوزان الخليلية، كقول أبي فراس:
أراك عصي الدمع شيمتك الصبرُ * أما للهوى نهي عليك ولا أمرُ
تعريف النثر: هو الكلام الذي يجري على السليقة من غير التزام وزن، وقد يدخل السجعُ والموازنةُ والتكلفُ الكلامَ ثم يبقى نثرا إذا بقي مجردا من الوزن .
والنثر أسبق أنواع الكلام في الوجود؛ لقرب تناوله، وعدم تقييده، وضرورة استعماله
وهو
نوعان : مسجع إن التُزِمَ في كل فقرتين أو أكثر قافية، ومرسل إن كان غير ذلك.
الشعر المنثور أو الطَّلْق أو المنطلِق أو المحَرَّر أو قصيدة النثر- تسميات مختلفة لنوع من الكتابة النثرية تشترك مع الشعر في الصور الخيالية والإيقاع الموسيقي حينا، وتختلف عنه في أنظمة الوزن والقافية والوحدات.
وقيل : هو الكتابة التي لا تتقيد بوزن أو قافية؛ وإنما تعتمد الإيقاع الداخلي، والكلمة الموحية، والصورة الشعرية. وغالبا ما تكون الجمل قصيرة، محكمة البناء، مكثفة الخيال.
وقد كانت بداية هذا النوع في الربع الأول من هذا القرن عندما اعتمد جبران والريحاني فنا أدبيا يجعل النثر الفني أسلوبا، إلا أنه يتميز بعاطفة شعرية وخيال مجنح.
وهذا مما ابتلينا به في زمننا المخنث هذا، فلذا جاءت التسمية مخنثة أيضا، فلا هم قالوا: إنه شعر، لأن قواعد الشعر تكذبهم، ولا هم قالوا: إنه نثر فيوضع في موضعه اللائق به ويلقى القبول الحسن من الجميع، وإن عندنا في التراث نثرا أبدع وأعمق وأروع من كثير من الشعر ولم يقل أصحابه: إنه شعر، بل قالوا: هو نثر، فلقي إقبالا منقطع النظير، واقرأ إن شئت (أوراق الورد) أو (المساكين) وكلاهما للرافعي أو اقرأ (النظرات) للمنفلوطي، فستجد أدبا لا يوصف وروعة وجمالا، ولم يقل أحدهما: إنه كتب شعرا لا نثرا، مع ما به من خيال مجنح وصور عزيزة المنال، ولو قلنا: إن النثر شعر، فحينئذٍ لا نستطيع أن ندفع عن القرآن تهمة القول بأنه شعر؛ لأن الحدود والفواصل بين الشعر والنثر قد ألغيت مع أن الله تعالى نفى عن القرآن كونه شعرا فقال عز من قائل: (وما هو بقول شاعر) وقال: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له)، ولسهولة هذا النوع من الشعر المزعوم كثر الأدعياء ممن أعياهم النظم على الأوزان الخليلية المعتبرة، فكسدت سوق الأدب وعزف الناس عن قراءة الشعر جملة جيده ورديئه.
تعريف النظم:
هو الكلام الموزون المقفى دون شعور أو عاطفة أو خيال أو صورة ، ومعظم النقاد يجعل النظم دون مرتبة الشعر في الجودة من حيث المضمون، والخيال، والعاطفة وغيرها من عناصر الشعر، دون الوزن . فالشعر عادةً يطفح بالشعور الحيّ، والعاطفة الصادقة، فيؤثر في مشاعرنا. أما النظم فركب بطريقة لا يقصد بها إلا المحافظة على الوزن والإيقاع كانتظام حبات العقد في السلك، دون أن يكون فيه روح أو حياة.
والمقياس في التفريق بين الشعر والنظم يعود بالدرجة الأولى إلى الذوق الأدبي، وهذا الذوق يتربى بكثرة مطالعة الشعر الجميل.
هذا، وإن لم يكن ثمة حدود دقيقة فاصلة بين الشعر والنظم، فإنه يمكننا التمييز بينهما بسهولة في كثير من الأحيان، فمما يعد نظما لا شعرا -عند الذين يفرقون بين المصطلحين- ما نظمه الفقهاء والنحاة، كألفية ابن مالك في النحو مثلا، و مما يعد منه أيضا الشعر التعليمي، كمتن (الشاطبية) في القراءات.
تعريف البيت الشِّعْري:
البيت هو مجموعة كلمات صحيحة التركيب، موزونة حسب علم القواعد والعَروض، تكوِّن في ذاتها وَحدة موسيقية تقابلها تفعيلات معينة.
وسمي البيت بهذا الاسم تشبيها له بالبيت المعروف، وهو بيت الشَّعْر (الخيمة)؛ لأنه يضم الكلام كما يضم البيت أهله؛ ولذلك سموا مقاطِعَهُ أسبابا وأوتادا تشبيها لها بأسباب البيوت وأوتادها، فالسبب هو الحبل الذي تشد به الخيمة، والوتد هو ما يدق في الأرض ويربط فيه الحبل، والجمع أبيات.
مما ينبغي التنبيه إليه أن البيت الشعري مكون من شطرين، آخر تفعيلة في الشطر الأول تسمى (عروضا) وهي مؤنثة كما اتفقنا، وآخر تفعيلة في الشطر الثاني تسمى (ضربا) وهو مذكر، وما عدا هذين يسمى (حشوا)، خذ مثلا قول امرئ القيس في معلقته:
قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزلِ * بسقط اللوى بين الدخول فحوملِ
معنى البيت: يستوقف امرؤ القيس صاحبيه إما حقيقة بأن يكون معه صديقان فعلا، أو مجازا على عادة العرب في تجريد أشخاص يكلمونهم دون أن يكون ثمة أحد، فهو هنا يستوقف صاحبيه ليبكيا معه من ذكرى هذا الحبيب ومنزله الكائن في (سقط اللوى) ذلك المكان الواقع بين مكانين آخرين هما (الدخول وحومل).
فالتفعيلة الأخيرة من الشطر الأول وهي كلمة (ومنزل) تسمى عروضا، والتفعيلة الأخيرة من الشطر الثاني وهي كلمة (فحومل) تسمى ضربا، وما عدا هاتين التفعيلتين يسمى حشوا، فالحشو هو ما عدا العروض والضرب.
ألقاب الأبيات:
أولا: من حيث العدد
أ- اليتيم: هو بيت الشعر الواحد الذي ينظمه الشاعر مفردًا وحيدًا.
ب- النُّتْفَة: هي البيتان ينظمهما الشاعر.
ج- القطعة: هي ما زاد على اثنين إلى ستة من أبيات الشعر.
د- القصيدة: هي مجموعة من الأبيات الشعرية تتكون من سبعة أبيات فأكثر.
والقصيدة (فَعِيلَة) بمعنى (مفعولة)؛ أي: مقصودة؛ لأن الشاعر يقصد إليها قصدا حين يريد كتابتها.
ثانيا: من حيث الأجزاء:
أ- التام: هو كل بيت استوفى جميع تفعيلاته كما هي في دائرته، وإن أصابها زحاف أو علة.
وذلك كقول الشاعر:
رأيتُ بها بدرًا علىالأرض ماشيًا
ولمْ أرَ بدرًا قطُّ يمشي على الأرضِ
فهو من البحر الطويل وتفاعيله ثمان في كل شطر أربع .
ب- المجزوء: هو كل بيت حذفتْ عَروضه وضربُه، وهذا واجب في كل من: المديد والمضارع والهزج والمقتضب والمجتث، فهذه الأبحر لا تستعمل إلا مجزوءة، وجائز في كل من البسيط والوافر والكامل والخفيف والرجز والمتدارك والمتقارب، أي أن الشاعر بالخيار في أن يستعمل هذه البحور تامة أو مجزوءة لكنه يلتزم نوعا واحدا حتى نهاية القصيدة. وممتنع في كل من: الطويل والمنسرح والسريع، فلا يستعمل منها مجزوء أبدا.
كقول الشاعر من الوافر المجزوء :
أنا ابنُ الجد في العَملِ
وقصْديْ الفوزُ في الأملِ
ج- المشطور: هو البيت الذي حذف شطره أو مصراعه، وتكون فيه العَروض هي الضرب، ويكون في الرجز والسريع.
كقول الشاعر من الرجز :
أزْهى من الصحة في الأجسامِ
تحيَّةٌ كالوردِ في الأكمامِ
د- المنهوك: هو البيت الذي ذهب ثلثاه وبقي ثلثه ويقع في كل من الرجز والمنسرح .
ومنه قول ورقة بن نوفل من منهوك الرجز:
ياليتني فيها جذعْ
أخُبُّ فيها وأَضعْ
ه- المدوَّر: هو البيت الذي تكون عَروضه والتفعيلة الأولى مشتركتين في كلمة واحدة، والبعض يسميه المُداخَل أوالمُدْمَج أوالمتَّصِل، وغالبا ما يرمز لهذا النوع بحرف (م) بين الشطرين ليدل على أنه مدور أو متصل.
كقول الشاعر :
وما ظهريْ لباغي الضَّيْـ (م) ـمِ بالظهرِ الذَّلولِ
فكلمة (الضيم) مشتركة بين الشطرين، فهذا يسمى بيتا مدورا.
و- المرسل أو المصمت: هو البيت من الشعر الذي اختلفتْ عَروضه عن ضربه في القافية.
كقول ذي الرمة:
تُعيِّرُنا أنَّا قليلٌ عَديدُنا
فقلتُ لها :إن الكرامَ قليلُ
فالعروض هي كلمة (عديدنا) والضرب (قليل) والعروض مختلفة عن الضرب فلهذا سمي البيت مصمتا أو مرسلا.
المُخَلَّع : هو ضرب من البسيط عندما يكون مجزوءا والعروض والضرب مخبونان مقطوعان فتصبح مُسْتَفْعِلُنْ ( مُتَفْعِلْ ).
ومنه قول الشاعر :
مَنْ كنتُ عن بابه غَنِيًّا
فلا أُبالي إذا جفانيْ
المُصَرَّع: هو البيت الذي أُلحقت عروضه بضربه بزيادة أو نقصان، ولا يلتزم، وغالبا ما يكون في البيت الأول، وذلك ليدل على أن صاحبه مبتدئ إما قصةً أو قصيدة.
فمن الزيادة قول الشاعر:
ألا عِمْ صباحا أيها الطللُ الباليْ
وهل يَعِمَنْ من كان في العُصرِ الخاليْ
ومن النقص قول امرئ القيس:
أَجارتَنا إن الخطوبَ تنوبُ
وإنيْ مقيمٌ ما أقامَ عسيبُ
المُقَفَّى
: هو البيت الذي وافقت عروضُه ضربَه في الوزن والروي دون لجوء إلى تغيير في العَروض.
ومن أمثلته قول أبي تمام:
السيفُ أصدق أَنباءً من الكتبِ
في حدِّهِ الحدُّ بين الجِدِّ واللَّعِبِ
وفي نهاية هذا الدرس أعلم أنك أخي القارئ لم تفهم كثيرا مما ورد به خصوصا في النصف الأخير منه، لكني أردت أن تعرف الأسماء فقط والمصطلحات حتى ترسخ في أذنك ولو بالاسم فقط، وفيما يأتي من الدروس إيضاح وحل لكل هذه الأشياء، فلا تمل ولا تتعجل شيئا قبل أوانه، وما أريده منك أن تحفظ هذه التعريفات للمصطلحات فهي في غاية الأهمية.
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق